فصل: مسألة حلف بعتق جارية له إن لم يبعها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة:

قال مالك: ينبغي للورثة إذا أعتق الرجل عبده عند موته ولم يكن له في المنظرة ارتفاع قيمة، وكانت له مخبرة ترتفع بها قيمته، أن يبينوا ذلك عندما يقوم.
قال محمد بن رشد: بيان ما ترتفع به قيمة العبد الموصى بعتقه عند التقويم للورثة لا عليهم، فلو قال: لهم أن يبينوا ذلك وليس عليهم أن يكتموه، لكان أبين، إذ هو الذي أراد، وكذلك قال في سماع موسى بن معاوية من كتاب الوصايا: أنه يقوم على خيره وبصره وأمانته، ولا يحل لأهله كتمان ذلك منه، ومثله أيضا بمعناه في رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا، وذكره أيضا في الرسم الذي بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

.مسألة نعت في كل شهر مرة أيعتق في الكفارات:

وسئل: عن الذي نعت في كل شهر مرة، أيعتق في الكفارات؟ قال: لا، هذا مصاب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه من العيوب المفسدة الفادحة، فلا تجوز في الرقاب الواجبة، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق جارية له إن لم يبعها:

وسئل: عن رجل حلف بعتق جارية له- إن لم يبعها، قال: لا يطؤها ولا يتصدق بها ولا يهبها حتى يبيعها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه فيها على حنث، فلا يجوز له وطؤها؛ لأنه لا يبر إلا ببيعها، وإن تصدق بها أو وهبها، ردت الصدقة والهبة وأقرت في يده، فإن لم يبعها حتى مات، عتقت في ثلثه على ما في المدونة وغيرها، من ذلك ما وقع في رسم بع، ورسم باع شاة من سماع عيسى، وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق ما يملك في مال له أراد بيعه ألا ينقصه من مائتي دينار، فباعه بمائتي دينار، ثم إنه وضع له بعد ذلك، فأرسل إلى مالك فيه الأمير، فقال: إن وضع له في مجلسه، فأرى أن قد وقع عليه الحنث، وإن وضع له بعد يومين أو ثلاثة، فأحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما أراد إلا عقد البيع، وما هذا الذي أردت بألا أضع، فإن حلف لم أر عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: أوجب عليه مالك الحنث إذا وضع له من الثمن في مجالسه، إما لأنه لم يصدقه في أنه إنما وضع عنه بنية حادثة له بعد أن باع بما- حلف عليه؛ لأن العتق مما يحكم عليه فيه، وإما؛ لأنه حنثه بالمعنى؛ لأن الحالف ألا يبيع سلعته إلا بكذا، إنما مقصده الانتفاع بالثمن بعد تقرره له عليه، فإذا رده إليه في المجلس أو وضعه عنه؟ فكأنه لم يبع به، إذ لم يتقرر له عليه، ولا قبضه ولا انتفع به، وهذا هو الأظهر من مراده، بدليل ما يأتي له في رسم صلى نهارا بعد هذا من هذا الكتاب، وبدليل ما في رسم الجنائز من سماع أشهب من كتاب النذور؛ لأنه اتقى عليه الحنث في ذلك، ويمينه بما لا يحكم عليه فيه، وصدقه مع يمينه بعد البيع باليومين والثلاثة أنه إنما أراد ألا يضع عنه في عقد البيع، ولم يرد ألا يضع عنه بعد ذلك شيئا، ولو كانت يمينه مما لا يحكم عليه بها، لصدق دون يمين، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يعتق والعبد زراع وهو بموضعه أرفع في القيمة:

وسئل مالك: عن العبد يعتق والعبد زراع، وهو بموضعه أرفع في القيمة، وإن جلب إلى الفسطاط وذكر منه عمله، لم يكن له من القيمة كقدره في موضعه، أين ترى أن يقوم؟ قال: أرى أن يقوم في موضعه الذي كان فيه.
قال محمد بن رشد: هذا يبين قوله في الرسم الذي قبل هذا ويكشف عن معناه- حسبما بيناه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لصاحبه كل مملوك لي حر إن لم أطل هجرانك:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وسئل: عن رجل قال لصاحبه: كل مملوك لي حر- إن لم أطل هجرانك، فأقام أياما ثم أراد أن يكلمه، قال مالك: لا أرى أن يكلمه سنة.
قال محمد بن رشد: في المبسوطة لمالك أنه لم يسم شيئا، إلا أنه حلف ليهجرنه، فإنه يهجره شهرا، وهو على قياس قوله في هذه: أنه يهجره سنة- إذا حلف أن يطيل هجرانه- وهو قول ابن كنانة، وابن الماجشون يقول: إنه إن حلف ليهجرنه أنه يبر بثلاثة أيام، وإن حلف ليطيلن هجرانه يبر بالشهر ونحوه، واختلف في ذلك قول ابن القاسم فله في كتاب الرهون من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، مثل قول ابن الماجشون؛ لأنه قال فيه: إنه يبر بثلاثة أيام إذا حلف على الهجران- ولم يعم شيئا، فعلى قياس قوله إذا حلف ليطيلنه، أنه يهجره شهرا ونحوه، وحكى عنه ابن حبيب أنه لا يبر إذا حلف ليهجرنه إلا بشهر ونحوه، فعلى قياس ما حكى عنه إذا حلف ليطيلنه لا يبر إلا بالعام ونحوه، مثل قول مالك، وقول ابن الماجشون، وما في العتبية لابن القاسم أظهر؛ لأنه إذا لم يسم شيئا، كان الوجه في ذلك أن يبر بأكثر ما يجوز الهجر إليه- وهو الثلاثة الأيام- على ما جاء في الحديث من أنه لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
وإذا حلف ليطيلنه بر بالحد الذي اعتزل فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزواجه إذ هجرهن وهو المشهور، ومن قال: إنه لا يبر إذا لم يسم شيئا إلا بالشهر اعتبارا باعتزال النبي عليه السلام أزواجه شهرا لم يبر إذا حلف ليطيلنه إلا بالعام؛ لأنه حد في أشياء كثيرة من الأحكام، وروى يحيى عن ابن القاسم أنه إن أطال هجرانه- ولم يتم السنة فلا حنث عليه، قال: وليس الشهر والشهران والثلاثة والخمسة والستة بطول، وكأنه رأى ذلك في الثمانية، وبالله التوفيق.

.مسألة استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه:

قال ابن القاسم: كل عبد استأذن سيده في عتق عبد له فأذن له بعتقه من مكاتب، أو أم ولد، أو مدبر، أو عبد- لا تدبير فيه، أو معتق إلى أجل، فما كان من ذلك ما لو شاء السيد أن يأخذ ماله أخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد فأذن له، فأعتق ثم أعتق بعد ذلك، لم يرجع إلى العبد المعتق من ولائه شيء، وكل ما كان من ذلك ما لو شاء سيده أن يأخذ ماله لم يأخذه، فذلك إذا استأذن سيده في عتق عبد له فأعتقه ثم أعتق العبد بعد ذلك، فذلك يرجع إليه ولاء ما أعتق ومن ذلك المكاتب لا يأخذ ماله، والمعتق إلى أجل إذا قرب عتقه، لم يكن لسيده أن يأخذ ماله، والمدبر وأم الولد إذا مرض سيدهما، فهذا الذي إذا أذن لهم سيدهم في عتق، رجع إليهم الولاء إذا أعتقوا، وأما إذا كان إذنه ذلك في مدبره وأم ولده- وهو صحيح، والمعتق إلى أجل في طول الزمان الذي يأخذ فيه مال المعتق، فإنما أذنه هاهنا لنفسه لا لأم الولد، ولا للمدبر، ولا لمعتق إلى سنين من ولايتهم شيء؛ لأنه كان ينتزع أموالهم ولا يمنع منها، وإنما أذنه لنفسه، وإن أعتق مدبر عبدا له في صحته من سيده، أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، أو عبد ليس فيه تدبير ولا عتق بغير علم السيد، فلم يعلم السيد بذلك حتى عتق العبد، أو أم الولد، أو المدبر، أو المعتق إلى سنين، فولاء ما أعتقوا لهم، وعتقهم جائز، ولا يردون ذلك إذا كان سيدهم لم يعلم بذلك ولم يرده، وإن علم فرده ثم عتقوا بعد ذلك، لم يلزمهم عتق ما أعتقوا، وكانوا رقيقا لهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف أحفظه- في شيء من الوجوه المذكورة فيها؛ لأن إذن السيد لعبده الذي له أن ينتزع ماله في أن يعتق عبده، وإجازته لعتقه إذا أعتقه من غير أن يستأذنه، كما لو أعتقه هو؛ لأن عتقه إياه انتزاع منه له، فوجب أن يكون الولاء له، ولا يرجع إلى العبد، إن عتق- ولو لم يعلم السيد بعتقه، أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى عتق، لنفذ عليه العتق، ولا أعرف في هذا النص خلافا، وقد يدخل فيه الخلاف بالمعنى، إذ قد قيل في فعل المرأة فيما زاد على الثلث، أنه على الرد حتى يجاز، وهو في هذا أحرى أن يكون على الرد حتى يجاز؛ لأن تحجير السيد على عبده، أقوى من تحجير الزوج على امرأته، وهذا إذا بقي العبد بيده حتى يعتق، وأما إن فوته من يده قبل أن يعتق ببيع أو هبة، فلا يرد- قاله في الاعتكاف من المدونة في الصدقة، والعتق مثله، إلا أن يفرق بينهما بحرمة العتق، وهو يعيد، وأما إن رد السيد عتقه ثم أعتق هو، فلا يعتق عليه وإن كان بيده قولا واحدا لا يدخل فيه الاختلاف الذي في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث، فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها- وهو في يدها، وأما إذا أذن لعبده أن يعتق عبده في حال ليس له فيها أن ينتزع ماله من مكاتب، أو معتق إلى أجل قد قرب أجل عتقه، أو مدبر، أو أم ولد مرض سيدهما، أو أجاز عتقه في تلك الحال، فولاؤه له ما لم يعتق، فإن عتق أدى إلى كتابته إن كان مكاتبا، أو بانقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو بموت السيد إن كانت له أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث، رجع الولاء له، وكذلك إذا علم بعتقه، فلم يقض برد ولا إجازة، واختلف فيما أعتق المدبر في مرض السيد بإذنه إذا صح من مرضه ثم مات، فيعتق في ثلثه؟ فقيل: يرجع إليه الولاء، وقيل: لا يرجع إليه؛ لأن السيد لما صح كان للسيد انتزاع ماله، فصار كالعبد بإذن سيده ولم يختلفوا في المكاتب يعتق بإذن سيده ثم يعجز فيعتقه سيده، أن الولاء لا يرجع إلى المكاتب، ولا فرق بين المسألتين في المعنى، وأما إن رد السيد عتقه ثم ثبتت حريته بعد بأداء الكتابة إن كان مكاتبا أو انقضاء الأجل إن كان معتقا إلى أجل أو موت السيد إن كانت أم ولد أو مدبرة فحملها الثلث- والعبد بيده لم يفوته قبل، فيتخرج ذلك على الاختلاف في الزوجة تعتق عبدها- وهو أكثر من الثلث فيرد الزوج عتقها ثم يموت عنها، أو يطلقها وهو في يدها لم تفوته؛ لأن تحجير السيد على هؤلاء أضعف من تحجيره على عبده الذي ليس فيه عقد عتق، فهو يشبه تحجير الزوج على امرأته، وبالله التوفيق.

.مسألة اختلف هو وامرأته فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها:

وسئل: عن رجل كانت بينه وبين امرأته منازعة في جارية له، فحلف بعتق جاريته إن لم يتزوج عليها إلى سنة، فمكثت المرأة عنده تسعة أشهر، ثم إنها ماتت ولم يتزوج، أترى عليه في الجارية حنثا؟ قال: لا حنث عليه وهو على بر، إنما هو بمنزلة رجل حلف بعتق رقيقه ليقضين فلانا حقه إلى أجل سماه، فمات الرجل قبل الأجل، فهو على بر ولا حنث عليه فيهم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحالف بعتق عبده ليفعلن فعلا إلى أجل، هو على بر إلى ذلك الأجل- إن مات هو أو مات العبد قبل الأجل، لم يكن عليه شيء باتفاق، وكذلك يبر باتفاق إن ماتت الزوجة التي حلف ليتزوجن عليها قبل الأجل، كمن حلف بعتق عبده ليضربن فلانا إلى أجل فمات فلان قبل الأجل، لا حنث عليه باتفاق، إذ لا يمكن أن يتزوج عليها بعد موتها، ولا أن يضرب الرجل بعد موته، فالمسألة أبين من الحجة؛ لأن الذي يحلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل، يمكنه قضاء الورثة، فإن كان قصد بيمينه إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل، وإن كان إنما أراد عين المحلوف عليه ليقضينه إلى الأجل، فلا حنث عليه إذا مات قبل الأجل، كالزوجة التي حلف ليتزوجن عليها إلى أجل، فماتت قبل الأجل، فحمل يمينه على ظاهر اللفظ من أنه أراد عين المحلوف عليه.
والأظهر أن يحمل إذا لم تكن له بينة على أنه إنما أراد إبراء ذمته من الدين، فلا يبر إلا بقضاء الورثة قبل الأجل- حسبما ذكرناه في هذا الرسم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، ولا اختلاف في أن الجارية التي حلف بحريتها إن لم يتزوج على امرأته إلى ستة- مرتهنة بيمينه، ليس له أن يبيعها حتى يبر بالتزويج عليها قبل الأجل أو بموتها، واختلف هل له أن يطأ الجارية أم لا؟ على قولين في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد كان بين اثنين فقال أحدهما للغلام قد وهبت لك نصيبي منك:

وسئل: عن عبد كان بين اثنين، فقال أحدهما للغلام: قد وهبت لك نصيبي منك، قال: أرأيت لو كان لأحدهما؟ فقال: قد وهبتك لنفسك، فكأنه يقول: هو عتق، فكان شأنه عنده شأن ما يعمل به في العتق، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، ووجهه ما سمعنا من قول مالك: إذا وهب له شقصا منه، عتق وقوم عليه ما بقي لأن ولاءه له قال: وهو رأي سحنون. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة من أن الرجل إذا قال لعبده: قد وهبت لك نفسك إنه حر- قبل العبد أو لم يقبل، وأنه إذا وهبه نصفه أعتق عليه كله، وكذلك إذا وهبه نصيبه منه، عتق وقوم ما بقي عليه، وفي قوله: لأن ولاءه له، دليل على أنه إنما أعتق على العبد لا عليه- وهو مذهبه؛ لأنه يقول للذي يوصي لعبده بجزء منه: أنه يعتق على نفسه في ماله إن كان له فكان القياس على هذا أن يقوم على نفسه في مال إن كان له لا على سيده، ووجه قوله: إنه يقوم على سيده، هو أن السيد يتهم أنه أراد بما فعل من هبة حظه منه له أن يعتق حظه ولا يقوم عليه حظ شريكه، ومذهب ابن وهب أن الجزء الموهوب له منه يعتق على سيده لا عليه، فلا إشكال على مذهبه في وجوب تقويمه عليه، وقد مضى بيان هذا المعنى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

.مسألة أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي ائذن لي أن أخرج إلى الشام:

قال: وقال مالك: بلغني أن بلالا قال لأبي بكر لما ولي: ائذن لي أن أخرج إلى الشام في الجهاد، فقال له أبو بكر: لا، فقال له بلال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخل سبيلي؟ فقال له أبو بكر: قد خليتك.
قال محمد بن رشد: أراد أبو بكر- والله أعلم- أن يحبسه للأذان كما كان عليه في حياة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فلا ينتقل عن مرتبته في ذلك، فإنما أراد بحبسه النظر له في ذلك وللمسلمين لا لنفسه، فلما اختار الجهاد وألح عليه فيه، أذن له في الخروج، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتقت المرأة ثلث خادم لها وهي ذات زوج:

قال مالك: إذا أعتقت المرأة ثلث خادم لها- وهي ذات زوج- وليس لها مال غيرها، جاز ذلك عليها، وإن كره زوجها؟ قال ابن القاسم: ولا يعتق عليها إلا الثلث إذا كره زوجها، ولو أعتقتها كلها وليس لها مال غيرها ولم يجز ذلك الزوج، لم يجز منها ثلث ولا غيره، قال مالك: وذلك من الأضرار.
قال محمد بن رشد: قوله: جاز ذلك عليها وإن كره زوجها، معناه أن الثلث الذي أعتقه يجوز عتقه، أجازه الزوج أو لم يجزه، فإن أجازه عتق عليها جميع الخادم، وإن لم يجزه، لم يعتق منها إلا الثلث- كما قال ابن القاسم، فهو مفسر لقول مالك هذا في روايته عنه، وقال أشهب وابن الماجشون إن لم يجزه ورده، لم يعتق منها شيء- كما إذا أعتقت جميعها، وروياه عن مالك، فقولهما وروايتهما على قياس القول في أن من أعتق بعض عبده يجب عليه عتق جميعه بالسراية، وقول ابن القاسم وروايته عن مالك في هذه الرواية، على قياس القول بأنه لا يعتق باقيه حتى يعتق عليه، فإن أجاز فعلها عتق عليها باقيه، وإن لم يجز فعلها، لم يعتق فيها إلا الثلث الذي أعتقت، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن عتق الثلث يعيب الثلثين، فإذا أنفذ لها عتق الثلث، فقد جاز قضاؤها في أكثر من ثلث مالها، ولا اختلاف فيما قاله ابن القاسم إنها إذا أعتقت جميعها فلم يجزه لم يعتق منها شيء، من أجل تبعيض العتق، وإنما اختلف إذا قضت بأكثر من الثلث فيما عدا العتق، فابن القاسم يقول: إن للزوج أن يرد الجميع، وغيره يرى أنه إنما يرد ما زاد على الثلث، وقد اختلف في المرأة ذات الزوج تدبر جاريتها ولا مال لها سواها، فروى ابن القاسم عن مالك في سماعه من كتاب المدبر أن ذلك لها، وقاله ابن القاسم ومطرف، وأباه ابن الماجشون وسحنون، وأحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها، وقعت مفترقة في غير ما موضع من هذا الكتاب ومن غيره من الكتب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات، فغنينا بذكره هناك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر فكل مملوك لها حر لوجه الله:

وسئل مالك: عن امرأة حلفت على ابنتها إن صاحبتها في سفر: فكل مملوك لها حر لوجه الله، فتكارت هذه من جمال، وهذه من جمال، فكانتا تلتقيان في سفرهما، وكانتا تسيران وتتحدثان وتنزلان، ولكنهما مع جمالين مفترقين، قال مالك: لا أراها إلا وقد حنثت، قال ابن القاسم وذلك رأيي.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنهما إذا كانتا تسيران معا وتتحدثان وتنزلان جميعا في منزل واحد، فقد اصطحبتا وإن كانتا مع جمالين، ولو تكاريا من جمال واحد، فركبت كل واحدة منهما جملها ولم تسر مع صاحبتها- مصاحبة لها، ولا نزلت معها في موضع واحد لما حنثت، وإنما ينظر إلى ما جرت يمينها، فإن كان ذلك من أجل كونهما مع جمال واحد، فإذا انتقلت إلى جمال أخر فلا تحنث، وإن كان ذلك من أجل اجتماعهما على نفقة واحدة وطعام واحد، فإذا انتقلت عن ذلك إلى أن تكون منفردة عنها في طعامها لم تحنث، وإذا لم يكن ليمينها بساط تحمل عليه ولا كانت لها نية، حنثت بكل ما يقع عليه اصطحاب، هذا الذي يأتي على أصولهم في هذه المسألة، وقد رأيت لابن دحون إنه قال في هذه المسألة: لو كانت يمينها في سفر ففارقتها وأكرت من جمال أخر، لم تحنث- وإن كانتا في رفقة واحدة، وإنما حنثها في هذه؛ لأنها حلفت وهي في الحضر ثم خرجت معها في رفقة واحدة، والرفقة كلهم أصحاب، والذي قلته وأصلته في المسألة هو أوضح، وبالله التوفيق.

.مسألة باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت:

ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان:
وسئل: عن رجل باع غلاما له ممن يعتقه واشترط في ذلك على الغلام بأنه لا يفارقه حتى يموت، قال: هذا لا ينفعه، وهذا شرط باطل، فإن عتق، ذهب حيث شاء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، إذ لا يجوز للرجل أن يعتق عبده ويشترط عليه خدمة وعملا بعد العتق، وإنما اختلف إذا اشترط عليه مالا يؤديه إليه بعد العتق، مثل أن يقول له: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فألزمه مالك المال قبل أو لم يقبل، واختلف في ذلك قول ابن القاسم، فإذا وقع البيع على هذا من الشرط كان البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط أو يسترد البيع، فإن فات البيع بالعتق، سقط الشرط على ما قاله، وبالله التوفيق.

.مسألة استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس:
وسئل مالك: عن رجل استدفع امرأة قرطا فصرته في خرقة، ثم إن زوجها أصابه رمد فعالج دواء لعينه، فسألها خرقة ليجعل فيها ذلك الدواء، وناولته الخرقة ونسيت موضع القرط، فرمى بها وأقامت في التراب يومين، ثم إنه وجدها بعد ذلك فصر فيها دواء، ثم جعله في الزنفلجة وهو لا يعلم أن القرط فيها، ثم سألها عن القرط وطلبت القرط من غدوة إلى ضحوة، فغضب الرجل فقال: كل مملوك حر- إن لم يكن قد ضاع منك أو سرق، فقال: لا أرى عليه حنثا.
قيل له: أرأيت يا أبا عبد الله لو كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول ووضعها في الزنفلجة قال: أرجو ألا يكون عليه شيء- إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: الزنفلجة عند العرب: مخلاة الراعي، وقول مالك في هذه المسألة: إنه لا حنث عليه بين؛ لأنه حلف لقد ضاع القرط منها أو تلف، وهو قد ضاع منها لما صرته في الخرقة ثم نسيته ودفعت إليه الخرقة وهي لا تظن أنه فيها فرمى بها في التراب، ثم أخذها وهو لا يعلم أن القرط فيها، فظن أنه قد تلف، فحلف لقد ضاع منها أو سرق، فلما حلف لقد ضاع منها وهو قد ضاع منها وجب ألا يحنث، وإن كانت الخرقة لم تكن ملقاة في التراب إلا على وجه التناول، فهو أيضا غير حانث؛ لأن الضياع من المرأة في القرط حاصل، وقد قيل: إن قول مالك في هذه المسألة معارض لقوله في مسألة السوط من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق في رسم طلق بن حبيب؛ لقوله فيها: أنه حانث إلا أن تكون له نية حسبما ذكرناه هناك من تأويل قوله، والصواب الفرق بين المسألتين حسبما ذكرناه، وبالله التوفيق.

.مسألة سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى فقالت كل مملوك لي حر إن لم تخبرني:

ومن كتاب كتب عليه ذكر حق:
وقال مالك في امرأة سألت زوجها أن يخبرها بكلام فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر- إن لم تخبرني إن كلمتك شهرا، وذهب ثم يؤامر نفسه، ثم أخبرها بعد ذلك بيوم، فقال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على البر، فإذا أخبرها- وإن افترقا من ذلك المجلس، ثم كلمته بعدما يخبرها بيوم، وإنما كان يستأمر فيه، فلا أرى عليها حنثا.
قال محمد بن رشد: حمل مالك في هذه المسألة يمين المرأة على زوجها أن يخبرها بالكلام على التأخير حتى تكون لها نية في التعجيل، ولذلك قال: أرى أن تكلمه؛ لأنها كانت على بر، وذلك خلاف قول ابن القاسم في سماع أبي زيد في الذي يحلف بحرية جاريته على أخيه أن يصنع له، فصنع له بعد أن مطله أشهرا، أنه حانث؛ لأنه حمل يمينه على التعجيل حتى يريد به التأخير، والقولان في المبسوطة لمالك، قال: وسئل مالك: عن رجل حلف لرجل بطلاق امرأته البتة إن لم تعطني ثوبك هذا، فقال: إن أعطاه إياه قبل أن يفترقا، فقد خرج من يمينه، وإن افترقا ولم يعطه إياه، فقد حنث، قال ابن نافع لا حنث عليه إلا أن يكون أراد في مقامك هذا، وهو قول مالك، وكذلك اختلف أيضا إذا حلف الرجل أن يفعل شيئا، هل هو محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، أو على التأخير، حتى يريد التعجيل والقولان بينان في رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب النذور حسبما بيناه هناك، والقولان جاريان على الاختلاف في الأمر هل يقتضي الغور أم لا؟ والمشهور في الحالف على نفسه أن يفعل فعلا أنه محمول على التأخير حتى يريد التعجيل، وفي الحالف على غير مواجهة أن يفعل فعلا، محمول على التعجيل حتى يريد التأخير، من ذلك قولهم فيمن حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا إنه لا يطأ امرأته حتى يفعل، ويضرب له أجل الايلاء إن طلبت امرأته الوطء، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه محمول على التأخير في المسألتين حتى يريد التعجيل.
والثاني: أنه محمول فيهما على التعجيل حتى يريد التأخير.
والثالث: الفرق بين المسألتين، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى غلاما ليعتقه فقال سيد الغلام لا أبيعه إلا بستين:

وقال مالك في رجل اشترى غلاما ليعتقه، فقال سيد الغلام: لا أبيعه إلا بستين، وقال المشتري: لا آخذه إلا بخمسين، فلما رأى ذلك العبد، قال لسيده: بعني بخمسين دينارا واكتب علي العشرة ادفع إليك في كل شهر دينارا، فكتب عليه العشرة بعلم من المشتري فاشتراه بخمسين وأعتقه على هذا الشرط، أيكون للذي أعتق العبد على هذا الشرط الولاء كله، ويعجل للذي باعه سدس الولاء، قال: الولاء للذي اشتراه فأعتقه، وليس للذي باعه واشترط عليه أن يعطيه عشرة دنانير من ولائه قليل ولا كثير، وولاؤه للذي ابتاعه فأعتقه.
قال محمد بن رشد: قوله: ليس للبائع من ولاية قليل ولا كثير بين؛ لأن المشتري بالخمسين هو الذي أعتقه، فلا حق للبائع في ولائه بالعشرة التي اشترط أن يأخذها من العبد بعد عتقه، وإنما هو كمن أعتق عبده على أن يؤدي بعد العتق عشرة دنانير لرجل أخر، فليس للذي يأخذ العشرة دنانير منه مدخل في ولائه بوجه من الوجوه، وظاهر هذه الرواية أن العشرة تجب للبائع على العبد إذا كتبها عليه بعلم المشتري، وهو نص ما في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم أن العشرة تسقط عن الغلام علم المشتري ولم يعلم، قال: وإن كان باع بغير العتق، سقط عنه الغرم وفسخ البيع، إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، فأما سقوطها عنه إذا لم يعلم، فهو بين، إذ ليس له أن يعيب العبد الذي باعه بما كتب عليه من الدين، ومثله في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأما سقوطها عنه إذا علم، فالاختلاف في ذلك- عندي- جار على الاختلاف في الرجل يقول لعبده: أنت حر بتلا وعليك كذا وكذا، فقول مالك في المدونة: إن المال يلزمه، وعليه يأتي قوله في هذه المسألة، وقول ابن القاسم فيها: إن المال يسقط عنه، وعليه يأتي ماله في العشرة في هذه المسألة، وقد اختلف في ذلك قول ابن القاسم في المدونة، وأما قوله في العشرة: إن البيع يفسخ إن كان باع بغير العتق إلا أن يفوت فيرد إلى القيمة، وتسقط العشرة، فمعناه إن علم المشتري واشترى على هذا؛ لأن الفساد فيه بين؛ لأنه باع عبده بستين دينارا، يتبع منها ذمة العبد بعشرة دنانير، وذلك غرر بين، وأما إن لم يعلم المشتري بذلك، فلا وجه لفساد البيع، وفي سقوط العشرة عنه إذا لم يعلم المشتري بها، واشتراه على غير العتق باختلاف، قيل: إنها لا تسقط عنه ويكون المشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد كعيب اطلع عليه أو هو الذي يأتي على ما في كتاب الكفالة من المدونة، وقد مضى بيان هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتقت بغير إذن زوجها جارية لها فرد زوجها عتقها:

ومن كتاب اغتسل على غير نية:
وقال مالك في امرأة أعتقت بغير إذن زوجها- جارية لها فرد زوجها عتقها، قال مالك: إن كانت الجارية تكون ثلث مالها- ولها مال تكون الجارية ثلث المال أو أقل من الثلث فإن عتقها جائز، وأما إن كانت الجارية أكثر مالها أو جله، فإن ذلك لا يجوز منها شيء إلا أن يجيز زوجها، سحنون والعتق جائز حتى يرده الزوج، ولكنه موقوف لا تجوز شهادته.
قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك من رواية ابن القاسم عنه مثل قول سحنون: إنه جائز حتى يرده الزوج، وقال مطرف وابن الماجشون ذلك مردود حتى يجيزه الزوج، وأنكرا رواية ابن القاسم عن مالك، وقالا ذلك بخلاف ذي الدين يعتق وعليه دين، فعتقه محمول على الجواز حتى يرده الغرماء، فلا يجوز للغرماء الرد إلا من بعد بينات وإثبات، وأما الزوج فلا يكلف إثبات ما يجب له به الرد؛ لأن فعلها على غير الجواز؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من المال إلا بإذن زوجها» والأظهر أن فعلها محمول على الجواز حتى يرده الزوج؛ لأن الزوج إذا لم يعلم أو علم فلم يقض برد ولا إجازة حتى مات عنها أو طلقها، يلزمها ما فعلت من العتق وغيره، وينفذ عليها، هذا هو المشهور في المذهب، وقد ذكر ابن المواز عن بعض أصحاب مالك: أن العصمة إذا زالت والعبد في يدها تسترقه، وهو على قياس القول بأن فعلها على الرد حتى يجيزه الزوج، وقد مضى في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصدقات القول في أحكام قضاء المرأة في مالها دون إذن زوجها- مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة حر كانت تحته امرأة ثلثها حر:

وسئل: عن حر كانت تحته امرأة ثلثها حر، وثلثاه رقيق، وله منها ولد ثلثه حر وثلثاه رقيق، فأراد الذين لهم فيه الرق أن يبيعوا ما لهم من الرق، فأعطوا ثمنا وأرادوا البيع من رجل، فطلب زوج الجارية أبو الغلام أن يأخذه بالذي أعطوه، قال: أرى ذلك له؛ لأنه لا يدخل على الذين باعوه مضرة؛ ولأن ذلك منفعة للذين يبتاعون الجارية وابنها؛ لأن ابنها يعتق حين يشتريه أبوه، فهو منفعة لهم، ولا أراه يدخل على الأخير ضرر، فلا أرى إلا ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا بهم، فبيعهم من غيرهم بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير إليهم، فلا يمكنون من ذلك، إذ لا مضرة عليهم في بيعهم من الزوج، ولا منفعة لهم في بيعهم من سواه، ولو باعوها وحدها دون ولدها، لم يكن أحق بها بما يعطي فيها، إلا أن تكون حاملا، إذ لا تكون له أم ولد إذا اشتراها، وإن كانت قد ولدت منه قبل الشراء، إلا أن يشتريها وهي حامل منه، وفي ذلك اختلاف، قد روى عن مالك: أنها لا تكون له أم ولد حتى يكون أصل الحمل بعد الشراء، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وكذا يجب في كل شيء مشترك لا شفعة فيه إذا باع بعض الأشراك أنصباءهم، أن يكون لمن بقي منهم أن يأخذ ذلك بالثمن الذي يعطي فيه، ما لم ينفذ العتق، وبالله التوفيق.